علي صدقي ازايكو...الشاعر والمناضل
يبدو أنه من الصعوبة بمكان الحديث عن الأستاذ المناضل الفقيد علي صدقي أزايكو، باعتباره مثقفا ومفكرا ومناضلا خارج المألوف والمعتاد، ولكن باعتباره أيضا واحدا من أبرز المؤسسين للحركة الثقافية بالمغرب والتقعيد لها على المستويين النظري والعملي الممارس بشكل يومي. وتبدو كذلك بكل جلاء ووضوح صعوبة الإلمام والإحاطة بكل الجوانب النضالية والفكرية لدى أزايكو نظرا لأنه لم يكن قط مناضلا عاديا ولم يكن فقط على علم ومعرفة بالثقافة واللغة الأمازيغية اللتين ناضل وضحى من أجلهما لعقود عديدة، ولكن نظرا لإلمامه ومعرفته التامة والشاملة والعميقة بالعديد من اللغات والحضارات والثقافات العالمية باعتبار تعامله مع هذه الأخيرة طيلة مدة طويلة وفق عناصر في المنهج والتحليل والتناول والدراسة واضحة من حيث الصرامة والدقة العلميتين، هذه العناصر اكتسبها من خلال تمرسه بالعديد من المعارف والعلوم الإنسانية كغيره من رواد ومؤسسي الفكر الأمازيغي المعاصرين ومنها: علوم التربية، علم التاريخ، علوم اللسانيات ولاسيما منها اللسانيات الأمازيغية لأنه تلقى دروسا معمقة في اللغة والثقافة الأمازيغيتين على يد الأستاذ ليونيل كالان الذي كان مشرفا على تدريس اللغة الأمازيغية بl’école pratique des hautes études، وكذلك لكونه مثقفا مختصا في التاريخ، له سابق معرفة بعلوم التربية والبيداغوجيا لممارسته التدريس في جميع الأسلاك التعليمية، ثم نظرا لكونه لم يكن في يوم ما ـ وبشهادة أقرانه وأصدقائه وزملائه العديدين ـ منغلقا، بل كان منفتحا، متفتحا، ذا ذاكرة مفتوحة كما يقول الفرنسيون، لبقا في تعامله مع الجميع، متعاملا مع الأشياء بنسبية أكبر، ضد الأحادية، مع التعدد والتنوع، إذ يقول بالحرف الواحد: «إن الذين يتصورون العالم وحدة لغوية وثقافية واحدة لا يعدو أن يكون تصورهم هذا تصورا استعماريا إجراميا».
إن غايتنا من تقديم هذه المعالم الكبرى أو الشذرات السريعة من حياة وفكر المرحوم علي صدقي أزايكو تكمن في تحصين وصيانة الذاكرة الثقافية والفكرية الوطنية، من خلال تكريم واحد من أكثر المثقفين والمفكرين المغاربة إخلاصا للثقافة الأمازيغية وإبراز إسهاماته نضاليا وفكريا، ودليل أو مؤشر هذا الإخلاص والوفاء يتجسد في ركام من الأبحاث والدراسات والأعمال التاريخية والإبداعية الشعرية والترجمات والمشاركات في الندوات التي أنجزها أزايكو أو أشرف على إنجازها إسهاما منه في بعث اللغة والثقافة الأمازيغيتين وإيلائهما المكانة التي تستحقانها في إطار النسيج الهوياتي والثقافي المغربي. كما تتمثل غايتنا من ذلك في تعريف الشباب المغربي بالمرحوم علي صدقي أزايكو كواحد من رموز الحركة الأمازيغية بالمغرب الذي كان من أوائل المناضلين الذين تجسد لديهم وعي عصري لا تقليدي أو تقليداني بالهوية المغربية، من أجل أن يستحضر هذا الشباب اليوم، بكل ما ينتظره من تضحيات ومسؤوليات وواجبات، مجموع ومجمل القيم والمبادئ واستراتيجيات العمل التي وجهت وأطرت عمل هؤلاء الرموز أمثال أزايكو على مستوى السلوك ومستوى التفكير ومستوى المنهج ومستوى العمل والتطبيق.
يعتبر المرحوم علي صدقي أزايكو من الرواد الأوائل الذين كانوا وراء انبثاق الحركة الهوياتية بالمغرب، وأدى ضريبة النضال بسبب التعبير عن رأيه بخصوص المسألة الثقافية بالمغرب لما نشر مقالا تحليليا بعنوان «في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية» في العدد الأول من مجلة أمازيغ باللغة العربية، والذي لم يكتب له أن يرى نور النشر والتوزيع، وكان ذلك سنة 1981، لتتم محاكمة الكاتب سنة بعد ذلك في أول محاكمة ثقافية يشهدها المغرب المستقل.
بقرية إيكران ن تاوينخت، قيادة تافنكولت، إقليم تارودانت على قدم الأطلس الكبير الجنوبي، كانت ولادة المرحوم أزايكو في يوم من أيام سنة 1942، قضى طفولته بقريته وبين ظهران سكانها الأمازيغ الذين يتداولون أنماطا ثقافية وتراثية أمازيغية مختلفة ومتنوعة، وكان لهذا المحيط تأثير كبير في التكوين الثقافي لأزايكو، والذي عرف بكونه مناضلا حقيقيا وجمعويا نشيطا ورجل تعليم يشهد له الجميع بجديته وكفاءته وشاعرا حداثيا كبيرا يحظى باحترام وتقدير الجميع.
بمدينة مراكش، التحق المرحوم بالتعليم الابتدائي وهو في الثامنة من عمره، ثم بالتعليم الثانوي، ومن طالب معلم بالمدرسة الإقليمية للمعلمين بمراكش إلى طالب أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، وطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في نفس الوقت، وفي هذه الأثناء توج مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة الإجازة في التاريخ. وقضى الفترة ما بين 1970 و1972 بجامعة السوربون حيث هيأ دكتوراه السلك الثالث في التاريخ بإشراف جاك بيرك، وقد نال ديبلوم الدراسات العليا في التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1988 بميزة حسن جدا.
تقلد المرحوم أزايكو مناصب عدة في مجال التعليم وذلك راجع لاجتهاده ونبوغه. وهكذا فقد كان أستاذا بإعدادية إيمي ن تانوت في الفترة ما بين 1962 و1964. وفور حيازته على الإجازة، تم تعيينه أستاذا للسلك الثاني في مادة التاريخ بمعهد المغرب الكبير بالرباط في الفترة ما بين 1968 و1970. وعمل أستاذا بشعبة التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط. وأثناء إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بمقتضى ظهير أجدير في أكتوبر 2001، عين أزايكو عضوا بمجلس إدارته، وفي نفس الوقت أستاذا باحثا في مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد.
ويعتبر أزايكو شاعرا حداثيا متميزا ذا تجربة شعرية عميقة متأصلة في المبنى والمعنى، في الشكل والمضمون، أصدر ديوانه الشعري الأول بعنوان تيميتار سنة 1988، وهو ديوان يعود إبداع القصائد المتضمنة به إلى سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وترجع أقدم قصيدة به إلى غشت 1967، وهي قصيدة أمارك.
وبالنظر لقوة ومتانة الدلالات الرمزية لإبداعه الشعري، تمكنت قصائده من ولوج فضاء العالمية ولاسيما مع ترجمة الكثير منها إلى اللغة الفرنسية من طرف الكاتب الأمازيغي باللغة الفرنسية محمد خير الدين والباحث الفرنسي Claude Lefébure كل على حدة، كما أن جل إبداعاته الشعرية مغناة من قبل مجموعة أوسمان الغنائية والفنان الأمازيغي المتميز بدوره مبارك عموري. وأصدر سنة 1995 ديوانه الثاني الذي حمل كعنوان إيزمولن وهو الذي نال جائزة المغرب للكتاب سنة 1996 بتصويت كل القراء البالغ عددهم أربعين قارئا، والذين قرأوا الديوان، غير أن مسؤولي وزارة الثقافة المشرفة على جائزة المغرب للكتاب كان لهم رأي آخر فارتأوا تفويت الجائزة التي نالها أزايكو جدارة واستحقاقا لشخص و"مبدع" آخر غير علي صدقي أزايكو، لتتعمق بذلك جراحات الأسئلة وتزداد حدة طرحها: لماذا إقصاء أزايكو؟ ألأن إبداعه باللغة الأمازيغية؟ أم لأن صاحبه مبدع أمازيغي ذو باع طويل في النضال الأمازيغي لم تنل منه حتى ظروف الاعتقال والسجن في معتقلات رهيبة وفظيعة كسجن لعلو؟ وتضيع بذلك التأويلات وسط لحظة المنع والإقصاء التي تزامنت وانعقاد الدورة الخامسة للجامعة الصيفية بأكادير، لتشكل بذلك الاعتقال الثاني والمنع الثاني لعلي صدقي أزايكو بعد حادثة الثمانينات. واليوم، ونحن نعيش الزمن المغربي للمصالحات، آن الأوان لفتح ملف جائزة المغرب للكتاب لسنة 1996 إنصافا لأزايكو، إنصافا للفكر الذي حمله أزايكو طيلة حياته وإنصافا للقضية الكبرى التي ناضل من أجلها أزايكو سنين عديدة، على ضوء سؤال واحد ووحيد: لماذا أقصي أزايكو من نيل جائزة المغرب للكتاب سنة 1996 عن ديوانه أيزمولن؟
وطيلة مسيرته العلمية، اشتغل أزايكو بالتأريخ للبادية المغربية، والعمل على تاريخ المغرب الوسيط والحديث في جانبه الاجتماعي، وكانت أطروحته الجامعية في موضوع «تاريخ وادي نفيس» بإشراف جاك بيرك، وقام بتحقيق كتاب «رحلة الوافد: لحظات من تاريخ أدرار ن درن أطلس مراكش وسوس في القرن 18» للتاسافتي، وساهم بفعالية وإنتاجية في إنجاز الموسوعة المغربية «معلمة المغرب» التي تصدرها الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر وكان يشرف عليها المرحوم محمد حجي والأستاذ أحمد توفيق ـ صديق الطفولة لأزايكو ـ وكعادته لم تخرج مشاركات أزايكو في مواد المعلمة عن نطاق الدفاع عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين وإبراز عبقريتهما، إذ كانت المواد التي ساهم بها كلها تنصب في دراسة الطوبونيميا الأمازيغية ودراسة المؤسسات الاجتماعية والإدارية والقانونية التي ابتكرها الأمازيغ عبر التاريخ. وأصدر أزايكو بحثا قيما بعنوان «الإسلام والأمازيغ، عن البدايات الأولى لدخول الأمازيغ في المجال الإسلامي» عن منشورات مجلة تاماكيت الصادرة بأكادير. وعن منشورات مركز طارق بن زياد للدراسات والنشر لسنة 2002 أصدر مؤلفا موسوما بعنوان «التاريخ المغربي والتأويلات الممكنة» ضمنه رؤيته للعديد من القضايا المهملة في تاريخ المغرب. وعن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لسنة 2004 صدر له كتاب بعنوان «نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية» وهو عبارة عن تجميع لمختلف المواد التي سبق له أن نشرها ضمن الأجزاء العشرة لموسوعة «معلمة المغرب». ومن المنتظر أن يصدر له نفس المعهد تحقيق مخطوط «السري للسعادة بالحسنى وزيادة» وهو عبارة عن معجم أمازيغي عربي من تأليف الفقيه عبد الله بن إبراهيم بن أحمد المرتيني في القرن 12 هجري 18 الميلادي.
في المجال التربوي، أنجز المرحوم أزايكو بتعاون مع زميله وصديقه الأستاذ عبد الغني أبو العزم «المعجم المدرسي الأمازيغي المصور» وهو موجه لتعليم اللغة الأمازيغية للأطفال. وعرفت له العديد من الجرائد والمجلات نشر مجموعة هامة من القصائد والمقالات والأبحاث العلمية، ومنها: أمازيغ- الكلمة (لسان حال جمعية علماء سوس)- أراتن- تايدرين- تيفاوت- البلاغ المغربي- صوت الجنوب- أوال... وقد أدى نشره لمقالة بعنوان «في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية» بالعدد الأول من مجلة أمازيغ، أدى ذلك إلى اعتقاله ومحاكمته والزج به في سجن لعلو بالرباط، ونجده يختصر هذه المرحلة العصيبة بتفاؤل فيقول: «طيلة المدة التي قضيتها في السجن بالرباط، ازدادت أحلامي وكبر إيماني بالقضية الأمازيغية، فكتبت شعرا كثيرا باللغة الأمازيغية كما كتبت مقالات عدة حول الأمازيغية في جريدة البلاغ المغربي ومجلة أوال بباريس. أيضا فكرت في إنشاء مشاريع ثقافية كبرى كإنشاء دار للنشر متخصصة في نشر كل ما هو أمازيغي أسميتها آنذاك تيويزي».
جمعويا، أسهم المرحوم أزايكو في تأسيس أول جمعية أمازيغية وهي الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1967 وتحمل مسؤولية الكاتب العام بمكتبها الأول، وفي سنة 1974 أسس جمعية ثقافة ومعارف. وأسس سنة 1981 الجمعية الثقافية أمازيغ رفقة كل من عبد الحميد الزموري ومحمد شفيق. وفي سنة 1990 أسهم في تأسيس جمعية «أكراو» رفقة كل من عبد الحميد الزموري، محمد شفيق، عبد المالك أوسادن، علي أمهان، محمد أودادس، محمد كابري، يوسف عكوري، ميمون إغراز، محمد أجعجاع. غير أن هذه الجمعية حرمت من وصل الإيداع القانوني ورفضت سلطات الداخلية الاعتراف بها.
وكان المرحوم أزايكو حريصا على دعم مختلف جمعيات الحركة االأمازيغية، ولا أدل من ذلك حضوره في أنشطتها ومؤتمراتها، ومن ذلك مواكبته لأنشطة الدورات العلمية للجامعة الصيفية. وصدق الكاتب اللبناني جبران خليل جبران حين قال: «إذا أردتم أن تكرموا وتكرموا الرجل العظيم لتردوا له جميله وفضله، فلا تعطوه بل خذوا منه» .
كتبه: رشيد نجيب
المصدر
http://matarmatar.net/vb/t18213/
الثلاثاء 26 مايو 2020, 08:05 من طرف elhouceine
» موقع انزكان ايت ملول
السبت 25 أبريل 2020, 07:23 من طرف elhouceine
» موقع انزكان ايت ملول
السبت 25 أبريل 2020, 07:13 من طرف elhouceine
» مجموعة من العاب الفلاش اصدارات 2015
الجمعة 21 أغسطس 2015, 13:05 من طرف زائر
» كتب أمازيغية للتحميل-idlisn imazighn-livres amazighs
الثلاثاء 02 أبريل 2013, 16:12 من طرف elhouceine
» شاطىء امسوان-La plage de Imesouane-Aftas n imswan-nouvelles photos
السبت 23 مارس 2013, 17:38 من طرف elhouceine
» Tachelhit -Tassoussit le dialecte de SOUSS
الأحد 17 مارس 2013, 14:53 من طرف elhouceine
» من مدينة "دمنات "..إلى قرية "فاس".....
السبت 01 ديسمبر 2012, 16:46 من طرف elhouceine
» Nouvelles photos d'Essaouira-صور جديدة للصويرة-tiwlafin timaynutin n tassort
الثلاثاء 13 نوفمبر 2012, 07:39 من طرف elhouceine